فضاء حر -عدد:1 "هنا والآن"

Publié le par fibra

فضاء حر   

الموظفون المقاولون

 

غريب وضعنا نحن المغاربة فمن الترحال في المجال بدون هوية محددة ، مرورا بالترحال السياسي من حزب إلى آخر تم الرجوع إلى نفس الحزب للعودة إلى الخروج منه مرة أخرى لتأسيس حزب سياسي جديد أو جمعية ذات طابع سياسي ، إلى الترحال من وظيفة عمومية لتأسيس مقاولة .

الترحال في المجال هو نمط حياة و الترحال السياسي انتهازية و وصولية أما الترحال من وظيفة عمومية إلى مقاولة فشيء آخر سنرى ...

بتجربة الحياة الفردية الخاصة بكل واحد منا في المجتمع ، نساهم في التجربة الجماعية بتفاوت حسب قدراتنـا و استعداداتنا للفهم و الفعل و الانخراط و التضحية بما هو شخصي لنسجل حضورنا في سيرورة الأحــداث و في التحكم في مصيرنا و في معيشنا . و لنقرر نحن أنفسنا ما نفعل بأجسادنا و عقولنا و عواطفنا .غير أن التجربة الجماعية مسالة عامة فوق النـزوات الشهوانية و الطموحات الشخصية الأنانية و الركض وراء وهم الترقي الاجتماعي .

أن تعيش التجربة الجماعية معناه أن تدرك و تعمق " النحن" فيك أن تكتشف في " الأنـا " : فـي داتيتـك " النحن "   الذي يخترقنا جميعا ، أي ما هو مشترك بيننا ، أنه الوضعية . الوضعية أي الزمـان و المكــان و الأحداث التي نمر منها و تعبرنا في كل لحظة . لم تعد الموضوعية هي فصل الذات عن الموضوع . بل هي الغوص في أعماق الذات لنكتشف فيها " النحن " من خلال العلائق التي تنسج في الحياة اليومية .

أن تختار هذه التجربة و تكتشف متعتها يستحيل أن تترك تعليم الأطفال – مثلا – بطريقة أو بأخرى : الاستقالة ، التقاعد أو التقاعد القبلي أو الانقطاع القانوني سنتين عن العمل لاستئنافه ثانية أو المزج بين العمل و بين ساعات القسم التي يمر فيها الزمن ثقيلا كالجحيم ، لأن لا يمكن أن نقوم بعمل لا نرغب في القيام به ، مدفوعون ، مرغمون . لا يبرر الاستمرارية و الحالة هذه سوى الأجرة التي يتقاضاها الموظف ، فالوظيفة العمومية تمنح نوعا من الاطمئنان بضمانها الاستمرارية في الوجود من خلال الأجرة الشهرية .

أما قضية التربية و التعليم و الطفل و المؤسسة و المجتمع و دور هذا و ذاك و معنى كل هذا ... هذه المسائل كلها لا تهم  لأنها تشكل مصدر قلق دائم و شقاء متواصل .

" مالي ، دعني و شأني مادمت أضمن لقمة العيش ..." هكذا يقول كل الذين تعبوا و اكتشفوا أن سنوات العمر القصير تمر بسرعة ، و أن انتهاز جميع الفرص السانحة بالتربح في زمن قياسي مشروع لتعويض مافات من زمن الفقر اللعين . على هذا المنطق بالذات أسس أفراد عديدون من معلمين و أساتذة و موظفون و آخرون - بالطرق السالفة الذكر – مقاولات و شركات باسم زوجاتهم و أولادهم للتحايل على القانون كي لا يتحملوا المسؤولية المباشرة في التأسيس و التسيير . و لكن نجد في الواقع الفعلي أن هؤلاء هم الذين يسـيرون و يعبئون و يدفعون و يدافعون عن ملفات المشاريع المرشحون لتشييدها ، و مع ذلك هم  الذين يشغلون اليد العاملـة و يشترون المواد المستعملة / الأولية ، و يتعاملون مع الأبناك ، إلخ . هم مقاولون فعلا ، و لكن في الأوراق لا علاقة لهم بالمقاولة .

أليس هذا شيء غريب ؟ أم نحن من عبدة الأوراق و الملفات المطبوخة و الشخصيات المزيفة و الموظفون الأشباح ؟ لماذا نقفز على واقع يذكرنا بوجوده الدائم دائما ؟

الذين أعرفهم من هؤلاء المعلمين المقاولين لا يملكون كتابا واحدا ، لا يتصفحون جريدة ، لا يفهمون ما يجري من حولهم ، يخطئون في التركيب اللغوي ، في استعمال الجمل ، يعجزون عن نسخ خطاب متماسك. هم أميون فعلا . لقد فقدوا ما كانوا يعرفونه لأنهم مهووسون بالريح ، أما القسم و التدريس و التفكير فلا يؤدون إلى الريح .

يقولون :" هذه فلسفة لا تهم ، هذا عصر المال و الأعمال ، عصر الاقتصاد . أما التعليم فقـد خــرب ."

و لكن ، من خرب التعليم ؟ من يساهم ؟ من الضحايا ؟ و ما الفلسفة ؟... لا يجب أن نبحث في السقوط عن مبرر للسقوط الأخير . و لا يجيب أن نقف في أسئلتنا عند منتصف أو بداية الطريق . فطريق السؤال لا حدود له لا متناهي .

و لكن لحظة ، لماذا يستثمرون في قطاع البناء بالضبط ؟

لأن جميع مقاولاتهم تدخل في إطار القطاع غير المنظم أو غير المهيكل بامتياز . فهم يشغلون عددا كبيرا من اليد العاملة ، أغلبيتها أطفال و مراهقين باجرة هزيلة ، غير قارة و غير مضمونة ، أما زمن العمل فيصل إلى 14 ساعة في اليوم ، و محل سكناهم – إن كانت ديارهم تبعد كثيرا عن مقر العمل – فهي  زنازن من القصدير أو خيمة في شروط لا إنسانية . و تتم إهانتهم يوميا بالسب و الشتم و الطرد دون مبرر مع رفض تأدية الأجرة . ليكتشف العامل المطرود نفسه أنه اشتغل لمدة معينة كعبد .

يتم التشغيل في إطار العلاقات الأولية : القرابة ( العائلة ، ابن الصديق "ولد لبلاد " ) لتحجب و تغطى الطبيعة الاستغلالية للشغل .

يموه المشغل و يحرف منطق الأشياء إذ يعتبر التشغيل فعل خير و تعاطف و الاستغلال إنقاذ من التيه في الشارع.

قلب المفاهيم ، الاستغلال ، النفاق ، الكذب ، الترغيب و التهديد ... من طبيعة الباطرونا و كل من يستغل عمل الآخرين .

هناك عاملان أساسيان يسهلان استغلال الأطفال و المراهقين في القطاع غير المنظم و عند هؤلاء المقاولين بالتحديد . و هما: صغر السن مما يعني انعدام التجربة في الحياة و غياب وعي شامل بحكم المستوى التعليمـي و الثقافي . هذان العاملان يساعدان في استمرارية هذا النوع من المؤسسات و المنشآت المهترئة .

ماذا تنتظرون ممن يلهثون وراء الربح الأقصى و السريع سوى أن يشتروا بأبخص الأثمان في سوق النخاسة أجسادكم و عقولكم و كل ما تملكون من قوة و من خصائص إنسانية . حينها ستتحولون إلى بضاعة كباقي البضائع المتبادلة في السوق .

فالنظام الرأسمالي يسمح بوجود و اشتغال القطاع غير المنظم مهيمنا عليه و تترك له حرية تنظيـم و توزيــع و استغلال العمل شريطة حفاظه على بنية العلاقات الاجتماعية للإنتاج .

سنقربكم أكثر من الموضوع باستضافة طفل في نقاشنا هذا .

 

س : ما اسمك ؟ و كم سنك ؟

ج : الشرفاوي محمد . ولدت سنة 1989 بامسمرير من والدين بدون شغل .

س : ما هو مستواك الدراسي ؟

ج : السنة الرابعة أساسي بالمدرسة المركزية بأمسمرير .

س : مازلت تتابع الدراسة ؟

ج : لا .

س : لماذا ؟

ج : لم تعد لدي الرغبة في الدراسة . لا تهمني .

س : ولكن قلت أن والديك بدون شغل . هل هذا هو الدافع لترك الدراسة ؟

ج : صحيح و لكن لدي استعداد لمغادرة المدرسة .

س : هل فرض عليك أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء أو شخص ما الانقطاع عن الدراسة ؟

ج : لا ، أنا لا أرغب في الدراسة .

س : رأيتك تحفر بفأس أكبر منك بصحبة طفل أخر قرب مقر الدرك الملكي ، فمن شغلكما ؟

ج : بودالي الحسن .

س : هو شخصيا أم أحد أبنائه ؟

ج : هو شخصيا .

س : متى تبدأ العمل ؟

ج : من السابعة صباحا .

س : إلى متى ؟

ج : إلى السادسة مساءا أو أكثر .

س : أنت طلبت منه العمل ؟

ج : لا

س : كيف ؟

ج : صادفته في الطريق فعرض علي أن اشتغل عنده في حفر قناة تصريف الماء الصالح للشرب .

س : متى بدأت العمل ؟

ج : اشتغلت يوم الأحد 15 و الإثنين 16 و الثلاثاء 17 و الأربعاء 18 مارس  2004 ، و حين طلبت منه يوم السبت 20 مارس أن يعطيني أجرتي ، فأعطاني 100 درهم . و قلت له إنني اشتغلت أربعــة أيام . فسبني قائـلا : " اذهب عند أمك فأنت لست حتى عاملا كاملا ". اشتغلت مع طفل أخر يبلغ من العمر 17 سنة هو من إمي نوارك بأمسمرير ، في نفس الظروف و نفس المدة ، و أعطاه كذلك 100 درهم في اليوم نفسه ، علما أن زمن العمل يمتد من السابعة صباحا إلى السادسة مساءا أو أكثر . اشتغلت وحدي في حفر مكان يمتد من أقواس السوق إلى حدود منزل ايت أقلي قبالة مبنى الدرك الملكي ، و اتمم الطفل الأخر الحفر فيما تبقى . و تم تشغيلي مرة أخرى من قبل بودالي الحسن . هذه المرة قبلت أن أشتغل لكي يعطيني ما تبقى من الأيام السابقة .

س : هذه المرة اشتغلت كم من يوم ؟

ج : اشتغلت يوم 2 ، 3 و 4 أبريل 2004 .

س : طبيعة العمل ، الحفر ؟

ج : نعم .

س : لوحدك ؟

ج : لا ، معي طفلين .

س : و كم أعطاك مقابل الأيام الثلاث ؟

ج : أعطاني 170 درهم و أضاف لي 10 دراهم . قال لي إنها ما تبقى من الأيام الأربعة السابقة .لتنضاف إلى 100 درهم التي قبضتها يوم 20 مارس .

س : اشتغلت إذن سبعة أيام مقابل 280 درهم ؟

ج : نعم .

لن نعلق على ما قاله هذا الطفل و على تجربته . سنترك للقارئ هذه المهمة .و لكن في الأخير نقول إن تشغيل الأطفال جريمة غير قابلة للتقادم . و لأن جميع العهود و المواثيق الدولية المتعلقة بحماية الطفولة من الاستغلال بجميع أنواعها وجب تطبيقها ، فإننا ندين اغتصاب الطفولة . و نطالب بمحاكمة هؤلاء المجرمين و إعادة الاعتبار للطفل . فالتربية و التعليم و النمو السليم حق طبيعي لكل إنسان .

استجوبه :

إبراهيم فيلالي

"هنا والآن"   عدد 1- يونيو 2004

 

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article